كيف يتداخل عالم الملائكة مع عالم البشر
سبق أن سمعتم جملة: ” نجى بأعجوبة من موت محقق”؟ دعونا نخبركم أنها ليست أعجوبة! وإنما هذا من عمل الملائكة التي تسمى “بالحفظة أو المعقبات”!
كيف يتداخل عالم الملائكة الغيبي مع عالمنا المحسوس؟ وما المهام التي أوكلها الله إليهم في عالمنا؟ وماذا أخبرنا الله ورسوله عن هذه المهام في القرآن والسنة؟ هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عنها في مقالنا التالي :
تختلف مهام الملائكة في الأرض وتتنوع، إلا أنها تسير أمور حياة البشر بإرادة الله على الوجه الذي أمرها به، وترافق الملائكة الانسان طوال حياته، وتتداخل مع كل لحظات حياته المهمة منذ أن تَنفُخ فيه الروح، إلى أن تقبِضَها بأمر الله.
أولًا – الملائكة الموكلة بالأرحام:
تبدأ حياة الإنسان جنين في بطن أمه مع الملائكة الموكلة بالأرحام، وهي الملائكة التي تنفخ الروح في خلايا الجنين بعد مئة وعشرين يوماً من بدء الحمل، وتكتب ما قدر الله له في حياته، فعن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا – نطفة – ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتْبِ رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيدٌ، …” رواه البخاري ومسلم.
ثانيًا – الملائكة الموكلة بحماية الإنسان (الحفظة أو المعقبات):
إذا ولد الإنسان وخرج من رحم أمه، وكل الله به ملائكة تحميه مما يحيط به من الخطر، وتسمى هذه الملائكة بالمعقبات، ووظيفتها أن تحمي الانسان من كل الأخطار المميتة التي قد يواجهها إلى أن ينتهي عمره ويحين أجله، فكثيراً ما نسمع عن أناس تعرضوا لحوادث لم يتوقع أحد أبداً أن يخرجوا منها أحياء، إلا أن ما قدر الله لهم من أعمار لم ينتهي بعد، لذلك قدر الله لهم النجاة بتدخل هذه الملائكة!
وقد ذكرها الله تعالى في القرآن فقال: ” وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ” الأنعام 61 . وقال تعالى فيهم أيضاً:” لَهُ مُعَقّبَاتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ …” الرعد 11
ثالثًا – الملائكة الموكلون بكتابة الأعمال (الكِرام الكاتبين)
عندما يبلغ الإنسان ويصبح مكلفاً، يوكل الله به ملكين يرافقانه إلى آخر حياته، أحدهما على كتفه الأيمن ويكتب الحسنات، والآخر على كتفه الأيسر ويكتب السيئات، فيكتبان كل صغيرة وكبيرة من أعماله، قال تعالى: “وَإِنّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون”. الانفطار 10-12
ويدون الملك على اليمين الحسنة إذا نواها المسلم، حتى لو لم يعمل بها، فإن عمل بها كتبت بأجر أكبر، فعن ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: “إِنّ الله كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ. ثُمّ بَيّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عَزّ وَجَلّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَإِنْ هَمّ بِسَيّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً… وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا الله سَيّئَةً وَاحِدَةً” رواه مسلم
بل إن الملك على اليسار لا يكتب السيئة فوراً إذا عمل بها الإنسان، بل ينتظر ويعطيه فرصة للاستغفار، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ – رضي الله تعالى عنه – عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: “إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَة”. حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير, وأورده ضمن السلسلة الصحيحة.
ويرى الإنسان ويقرأ ما كتب الملكان من أعماله يوم القيامة، فيستلم كتاباً فيه كل ما دونا من أعماله، فإن كان من الناجين استلم كتابه باليمين، وإن كان من أهل النار والعياذ بالله استلم كتابه بالشمال، قال تعالى:” وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً، اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىَ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً” الإسراء 13،14
رابعًأ – الملائكة الموكلون بقبض الأرواح (ملائكة الموت)
إذا انتهى عمر الإنسان وحان أجله، جاءت ملائكة الموت لقبض روحه، وملائكة الموت قسمان، قسم وكل بقبض أرواح المؤمنين والصالحين، وقسم وكل بقبض أرواح الكافرين، فإن كان الشخص صالحاً جاءت الملائكة التي تقبض روحه بهيئة جميلة مريحة، كما وردت صفتهم في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” ملائكة بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الجنة”، أما إذا كان الانسان كافراً فإن الملائكة التي تقبض روحه تأتي بهيئة بشعة، فقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: “مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ”.
وبعد قبض روح الإنسان يصعد الملائكة بها إلى السماء، فأما روح الكافر فلا يؤذن لها ولا تفتح لها أبواب السماء، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ: “اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى” ثم تطرح رُوحُهُ طَرْحًا إلى الأرض، وأما المؤمن فيؤذن له وتفتح له أبواب السماء حتى يصل إلى السماء السابعة، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ: “اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ”.
خامسًا – الملكان الموكلان بالسؤال في القبر (منكر ونكير)
بعد أن يدخل الإنسان قبره وتعود روحه إلى جسده، يأتيه الملكان منكر ونكير، فيُجلسانه ويسألانه عن ثلاثة أشياء، مَنْ رَبُّكَ ؟، مَا دِينُكَ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ (يقصد بهذا السؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته)،َ فإن كان الإنسان مؤمناً أجاب على الأسئلة جميعها، إجابة تعكس إيمانه الذي عمل به وعاش به في الدنيا، ثم يُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ:” أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ”، وإن كان كافراً، لم يزد على أن يقول :” هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي” كإجابة على جميع الأسئلة، “فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ”.
سادسًا – الملك الموكل بنفخة البعث، والملائكة الموكلون بالجنة والنار
ثم تستمر رحلة الإنسان مع الملائكة في الآخرة، فالبعث بعد الموت لا يكون إلا بنفخة الصور، وهذه النفخة وكل بها ملك كريم اسمه اسرافيل عليه السلام، فحين ينفخ إسرافيل عليه السلام النفخة الأولى في الصور (البوق) ، يموت كل من بقي من الخلائق، ثم ينفخ النفخة الثانية وهي نفخة البعث، فيبعث الله الخلائق جميعاً ويعيدهم إلى الحياة، ثم يأتي الحساب والجزاء، فإما إلى الجنة أو إلى النار والعياذ بالله، وهناك ما زال الناس على موعد مع الملائكة الذين وكلوا بالنار والملائكة الذين وكلوا بالجنة.
وقد ورد وصف الملائكة الموكلين بالجنة والملائكة الموكلين بالنار في الآيات الكريمة التالية، فقد قال تعالى في وصف مشهد تهنئة الملائكة للمؤمنين في الجنة:”والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار”. الرعد 23
أما في وصف الملائكة الموكلين بالنار فقد قال سبحانه وتعالى:” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون”. التحريم 6.
المصادر : الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الشيخ : عبدالعال بن سعد الرشيدي
الموقع الاسلامي اسلام ويب
التسميات: رئيسي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية