ماذا أجيب ولدي الذي يسألني أين الله
السؤال : ماذا أجيب ولدي الذي يسألني أين الله ؟
إذا سأل الطفل: “أين الله؟” فيجاب بأن الله أكبر من كل شيء، وأنه أعظم من كل مكان، وأنه سبحانه لا يحويه شيء، بل هو سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى/ 11، ويجب على الوالدين والمربين والمدرسين أن يغرسوا في قلوب الأبناء أن الله تعالى ليس مشابهاً للمخلوقات، منزه عن كل وصف لا يليق به، وذلك بالعبارات التي تناسب مستواهم العقليّ والمعرفي.
وتاليا نص الفتوى كاملاً:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه للناس كافة خاتماً للشرائع السماوية متمّماً به مكارم الأخلاق، مراعياً به فطرة الإنسان وكرامته، وكل صاحب سؤال حقّه أن يطرح سؤاله بحرية، وكل سؤال مهما كان موضوعه فله في الإسلام جواب، لأنّ منهج الإسلام متكامل مبنيّ على الحوار والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل/125، والأطفال في الأسرة يجب أن يعطوا حقهم في التفكير والإجابة على استفساراتهم، ومن الخطأ نهيهم عن ذلك.
وإذا سأل الطفل: “أين الله؟” فيجاب بأن الله أكبر من كل شيء، وأنه أعظم من كل مكان، وأنه سبحانه لا يحويه شيء، بل هو سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى/ 11، ويجب على الوالدين والمربين والمدرسين أن يغرسوا في قلوب الأبناء أن الله تعالى ليس مشابهاً للمخلوقات، منزه عن كل وصف لا يليق به، وذلك بالعبارات التي تناسب مستواهم العقليّ والمعرفي.
وأما حكم استعمال عبارة “أين الله”؛ فهي في الأصل غير جائزة شرعاً، لأنّ المعنى الحقيقي في اللّغة للفظ “أين” السؤال عن المكان، والله تعالى لا يجوز عليه الحلول في المكان أصلاً، وأمّا إنْ قصد بلفظ “أين” المعنى المجازي وهو السؤال عن المكانة والمنزلة فجائز شرعاً، وقد ورد هذا المعنى في كلام عثمان رضي الله عنه أنه تكلم عنده صعصعة بن صوحان فأكثر، فقال: أيها الناس إن هذا البجباج النفاخ لا يدري ما الله ولا أين الله…، معناه: أن حاله في وضع لسانه من إكثار الخطل وما لا ينبغي أن يقال كلّ موضع كحال من لا يدري أن الله سميع لكل كلام، عالم بما يجري في كل مكان. [الفائق في غريب الحديث 1/ 78].
وقد وردت عبارة “أين الله” أيضاً في حديث الجارية الذي جاء فيه: “قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: (ائْتِنِي بِهَا)، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: (أَيْنَ اللهُ؟) قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: (مَنْ أَنَا؟) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: (أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) رواه مسلم.
وقال الحافظ ابن فورك في شرح هذا الحديث (ص158، بتصرف): ظاهر اللغة يدل أن “أين” موضوعة للسؤال عن المكان، وهذا هو أصل هذه الكلمة، غير أنهم قد استعملوها عن مكان المسؤول عنه في غير هذا المعنى، وذلك أنهم يقولون عند استعلام منزلة المستعلم عند من يستعلمه: أين منزلة فلان منك، وأين فلان من الأمير؟ واستعملوه في استعلام الفرق بين الرتبتين بأن يقولوا: أين فلان من فلان، وليس يريدون المكان والمحل، بل يريدون الاستفهام عن الرتبة والمنزلة، فإذا كان ذلك مشهوراً في اللغة احتمل أن يقال: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم “أين الله” استعلام لمنزلته وقدره عند الجارية وفي قلبها، أي هو رفيع الشأن عظيم المقدار.”
وجاء في [معالم السنن للخطابي 1/ 222]: “هذا السؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله، وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفة حقيقته، ولو أن كافراً يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلماً حتى يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتبرى من دينه الذي كان يعتقده”.
وقال الإمام النووي في [شرح مسلم 5/ 24]: “قوله صلى الله عليه وسلم: أين الله، قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة، هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان، أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني: تأويله بما يليق به، فمن قال بهذا قال: كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقرّ بأنّ الخالق المدبر الفعال هو الله وحده، وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأنّ السماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين، أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم، فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان”.
وعليه؛ فإنّ الله تعالى منزّه عن أن يحويه المكان، أو يسأل عنه بأين بمعناها اللغوي الظاهر وهو الاستعلام عن المكان، فإنه خالق المكان والزمان، ومن الواجب أن نعلم ذلك للأطفال، وأن نجيبهم على أسئلتهم بما يناسب قدراتهم وبما يعرفهم أن الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقات. والله تعالى أعلم.
دائرة الإفتاء الأردنية
التسميات: رئيسي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية