معنى قول النبي لعن الله الواشمة والموتشمة إلا من داء
الحديث :
لَعَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الربا، ومُوكِلَه، وشاهدَه وكاتبَه، والوَاشِمَةَ والمُوتَشِمَةَ ، قال : إلا مِن داءٍ ؟ فقال : نعم ، والحالُّ المُحَلَّلُ له ، ومانعُ الصدقةِ ، وكان ينهى عن النَّوْحِ ، ولم يَقُلْ لَعَنَ.
الراوي : الحارث الأعور | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 5119 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه النسائي (5104)
شرح الحديث :
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحذِّرُ أُمَّتَهُ الكبائِرَ الَّتي رُبَّما تُودي واحِدةٌ منها بصاحِبِها في نارِ جَهنَّمَ -والعِياذُ باللهِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ التَّابِعيُّ الحارِثُ بنُ عبدِ اللهِ الأعوَرُ: “لعَنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ”، واللَّعنُ هو الدُّعاءُ بالطَّردِ والإبعادِ عن رَحْمةِ اللهِ، “آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلُه”، أي: نَهى عنِ التَّعامُلِ بالرِّبا، ومَنَعَهُ على الطَّرَفَينِ مَعًا، فالآكِلُ: هو الَّذي يُعطي المالَ، ويَأخُذُ زِيادة ًعلى ما أعْطى، والمُوكِلُ: هو الَّذي يُعطي الزِّيادةَ، وإنَّما خُصَّ بالأكْلِ؛ لأنَّ الَّذين نَزَلَ فيهم النَّهيُ كانت طُعمَتُهُم من الرِّبا، وإلَّا فالوعيدُ حاصِلٌ لكُلِّ مَن عَمِلَ به سواءً أكَلَ منه أم لا، ولكِنَّه أعانَهُ عليه. “وشاهِدَهُ”، وهو الذي يَشهَدُ على عَقْدِهِما، “وكاتِبَهُ”، أي: الذي يَكتُبُهُ لهما، والمُرادُ: النَّهيُ عن التَّعامُلِ بالرِّبا، سواءً كان في المالِ أو السِّلَعِ، والتَّحْذيرُ هنا يَبدَأُ بآكِلِ الرِّبا ومُوكِلِهِ وشاهِدِهِ وكاتبِه، ويَنتَهي بالمُجتَمَعِ الَّذي يَرْضَى بمِثلِ هذا ولا يُحارِبُهُ. والرِّبا أنْواعٌ؛ منها الاتِّفاقُ على زِيادةٍ في القَرْضِ من نَفسِ جِنسِهِ، ويُسمَّى هذا: رِبا الفَضْلِ، ومنها: الزِّيادةُ عِندَ التَّأخيرِ في بَيعِ الأجْناسِ الرِّبويَّةِ كالذَّهَبِ، والفِضَّةِ، ويُسمَّى رِبا النَّسيئةِ، ومِثلُ هذا يَشتَمِلُ على ظُلمٍ كَبيرٍ للمُقترِضِ، ورُبَّما أوقَعَهُ في الدُّيونِ المُتراكِبةِ، وعلى أثرِ هذا يترتَّبُ خَلَلٌ كَبيرٌ لِنِظامِ المالِ في المُجتَمَعِ، فيَمنَعُ النَّاسُ أمْوالَهُم في التِّجارةِ، ويَزدادُ الغِنيُّ غِنًى، والفَقيرُ فَقْرًا.
“والواشِمةَ”، أي: ولَعَنَ الواشمةَ، وهِيَ المرأةُ التي تَصنَعُ الوَشْمَ والرَّسْمَ، “والمُوتَشِمةَ” التي تَطلُبُ وَضْعَ الوَشْمِ، والوَشْمُ: الرَّسْمُ على الجِلدِ، ويكونُ بشَقِّ الجِلْدِ بإِبْرةٍ وحَشْوِهِ كُحلًا أو غيرَهُ، فيَخضَرُّ مكانُه، وإنَّما نُهي عنه؛ لأنَّه من فِعلِ الفُسَّاقِ والجُهَّالِ؛ ولأنَّه تَغييرٌ لِخَلقِ اللهِ. “قال: إلَّا مِن داءٍ؟”، ولعلَّ القائِلَ هنا هو الشَّعْبيُّ، يقولُ للحارِثِ: هل اسْتَثْنى من ذلك التي تَشِمُ من أجْلِ داءٍ بها؟ فقال الحارِثُ: “نَعَمْ”، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استَثْنى التي تَصنَعُ الوَشْمَ؛ لأجْلِ التَّداوي من المَرَضِ.
“والحالَّ والمُحلَّلَ له”، أي: لعَنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحالَّ والمحلَّلَ له -كما لعَنَ آكِلَ الرِّبا- والحالُّ والمحلِّلُ بمَعْنًى واحدٍ، وهو الذي يَتزوَّجُ مُطلَّقةَ غَيرِهِ ثَلاثًا بقَصدِ أنْ يُطلِّقَها بعدَ الوَطءِ؛ لِيَحِلَّ للمُطلِّقِ الأوَّلِ نِكاحُها، والمحلَّلُ له، أي: الزَّوجُ الأوَّلُ وهو المُطلِّقُ ثلاثًا.
“ومانِعَ الصَّدَقةِ”، أي: ولعَنَ مانِعَ الصَّدقةِ، وهو المُمتَنِعُ عن أداءِ الزَّكاةِ مُطلقًا، أو مَعْناهُ تارِكُ الصَّدَقةِ الواجِبةِ، وضمَّهُ إلى الرِّبا؛ لأنَّه منَعَ إخْراجَ ما يَجِبُ إخْراجُهُ، وأهْلُ الرِّبا أدْخَلوا ما يَحرُمُ إدْخالُهُ، وأخْرَجوا ما يَحرُمُ إخْراجُهُ، “وكانَ يَنْهى عنِ النَّوحِ”، وهو البُكاءُ على الميِّتِ بصَوتٍ مُرتفِعٍ، مع ارتِكابِ المَعاصي مِثلَ: شقِّ الجُيوبِ، وخَمْشِ الوُجوهِ، والتَّفوُّهِ بألْفاظِ الجاهِليَّةِ، “وَلَمْ يَقُلْ لَعَنَ”، أي: ولم يَقُلِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعَنَ مَن يَنوحُ على المَيِّتِ.
وفي الحَديثِ: التَّشْديدُ والتَّحْذيرُ من التَّعامُلِ بالرِّبا بكُلِّ أنواعِهِ.
وفيه: النَّهيُ عن الإعانةِ على الباطلِ.
وفيه: التَّشْديدُ والتَّحْذيرُ من تَغْييرِ خَلْقِ اللهِ بالوَشْمِ أو ما يُشبِهُهُ.
وفيه: الحثُّ على حِفظِ الأعْراضِ من الشُّبُهاتِ.
وفيه: التَّشْديدُ في أمْرِ النُّواحِ على المَيِّتِ .
التسميات: حديث
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية