نحن نعلم أن لفظ الزوج يطلق على كل من الرجل والمرأة. والزوج في اللغة يدل على مقارنة شيء لشيء، من ذلك: الزوج زوج المرأة، والمرأة زوج لبعلها.
جاء في لسان العرب: يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج، كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا زوج .. وزوجة لغة رديئة، وجمعها زوجات، وجمع الزوج أزواج.
معنى “الزوج” إذن يقوم على الاقتران القائم على التماثل والتشابه والتكامل، فحتى يتم الاقتران لا بد من وجود صفات بين الطرفين تحقق التماثل والتشابه عند اجتماعهما وتكاملهما واقترانهما، وهذا المعنى متحقق في الزوجين الذكر والأنثى.
فالله تعالى خلق الذكر ميالا إلى الأنثى، طالبا لها، راغبا فيها، والله خلق الأنثى ميالة للذكر، راغبة فيه، والإسلام نظم العلاقة بينهما، بأن جعلها عن طريق واحد مباح، هو الزواج الشرعي، ولكن ! لماذا يطلق على الرجل زوج للمرأة؟ ويطلق على المرأة زوج للرجل؟، الجواب: لأن الرجل يكمل المرأة، ففي المرأة “نقص” لا يسده إلا الرجل، حيث يلبي لها حاجاتها النفسية والاجتماعية والإنسانية.
ولأن المرأة تكمل “نقص” الرجل، وتلبي له حاجاته النفسية والاجتماعية والنفسية، إذن المرأة بدون زوج فيها نقص، فيأتي الرجل زوجا لها مكملا لإنسانيتها، والرجل بدون امرأة فيه نقص، فتأتي المرأة زوجا له، مكملة لإنسانيته، ولهذا كل منهما “زوج” لصاحبه، يقترن معه ويزاوجه.
متى تكون المرأة زوجا ومتى لا تكون؟، عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظين، نلحظ أن لفظ “زوج” يطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامة بينها وبين زوجها، وكان التوافق والاقتران والانسجام تاما بينهما، بدون اختلاف ديني أو نفسي ..
فإن لم يكن التوافق والانسجام كاملا، ولم تكن الزوجية متحققة بينهما، فإن القرآن يطلق عليها “امرأة” وليست زوجا، كأن يكون اختلاف ديني عقدي بينهما..
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الروم: 21، وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ الفرقان: 74.
وبهذا الاعتبار جعل القرآن حواء زوجا لآدم، في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ … ﴾ البقرة: 35.
وبهذا الاعتبار جعل القرآن نساء النبي صلى الله عليه وسلم “أزواجا” له، في قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ … ﴾ الأحزاب: 6.
فإذا لم يتحقق الانسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمي الأنثى “امرأة” وليس زوجا.
قال القرآن: امرأة نوح، وامرأة لوط، ولم يقل: زوج نوح أو زوج لوط، وهذا في قوله تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا … ﴾ التحريم: 10.
إنهما كافرتان، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي، ولكن كفرها لم يحقق الانسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي. ولهذا ليست “زوجا” له، وإنما هي “امرأة” تحته.
ولهذا الاعتبار قال القرآن: امرأة فرعون، في قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ… ﴾ التحريم: 11، لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقق الانسجام بينهما، فهي “امرأته” وليست زوجه.
ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين “زوج” و”امرأة” ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، أن يرزقه ولدا يرثه. فقد كانت امرأته عاقر لا تنجب، وطمع هو في آية من الله تعالى، فاستجاب الله له، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة.
عندما كانت امرأته عاقرا أطلق عليها القرآن كلمة “امرأة”، قال تعالى على لسان زكريا: “وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا” . وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه، وأنه سيرزقه بغلام، أعاد الكلام عن عقم امرأته، فكيف تلد وهي عاقر، قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ آل عمران: 40.
وحكمة إطلاق كلمة “امرأة” على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما لم تتحقق في أتم صورها وحالاتها، رغم أنه نبي، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة، وكانا على وفاق تام من الناحية الدينية الإيمانية .
ولكن عدم التوافق والانسجام التام بينهما، كان في عدم إنجاب امرأته، والهدف “النسلي” من الزواج هو النسل والذرية، فإذا وجد مانع بيولوجي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب، فإن الزوجية لم تتحقق بصورة تامة .
ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر، فإن الزوجية بينهما لم تتم بصورة متكاملة، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة “امرأة” .
وبعدما زال المانع من الحمل، وأصلحها الله تعالى، ولدت لزكريا ابنه يحيى، فإن القرآن لم يطلق عليها “امرأة”، وإنما أطلق عليها كلمة “زوج”، لأن الزوجية تحققت بينهما على أتم صورة . قال تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ … ﴾ الأنبياء: 89-90.
المصدر: قاموس المعاني
التسميات: قرآن