أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الدين للناس كافة، قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ}.. [سبأ : 28]، فصدع النبي صلى الله عليه وسلم بما أُمِرَ به، ودعا قومه ومَنْ حوله أولاً، وتعرض هو وأصحابه لمحن كثيرة، وحوربوا بأساليب شتى، وعندما استقر له الأمر، وأصبحت له دولة بالمدينة المنورة، قام بإرسال رسائل مع بعض رسله وسفرائه لدعوة الملوك والأمراء في جميع أقطار الأرض إلى الإسلام.
وتعتبر رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء نقطة تحول هامة في سياسة دولة الإسلام الجديدة في المدينة المنورة؛ إذ بها نقل النبي صلى الله عليه وسلم دعوته إلى ملوك الأرض وشعوبها، وعرَّفهم بالدين الجديد، الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين، وفي ذلك دلالة على عالمية الإسلام، تلك العالمية التي أكد عليها القرآن الكريم في قول الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.. [الأنبياء : 107].
وقد ذكر علماء السِيَّر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعض أصحابه رضوان الله عليهم برسائل إلى الملوك والأمراء يدعوهم فيها إلى الإسلام، وهذه بعض أهم أسماء سفراء ورسل النبي صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء، وما حمِّلُوه من رسائل:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه إلى قيصر ملك الروم، وذلك في مدة هدنة الحديبية، روي عن ابن عباس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي) رواه البخاري.
وقد سأل هرقل عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم، فثبت عنده صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته، فهمَّ بالإسلام، فلم توافقه الروم، وخافهم على ملكه فأمسك، وقد قال هرقل: (فلو أني أعلم أني أخلص إليه، لتجشمت لقاءه (تكلفت وتعبت للوصول إليه)، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) رواه البخاري، وفي رواية مسلم: “لأحببت لقاءه”.
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه بكتاب إلى كسرى ملك الإمبراطورية الفارسية، فمزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة أرسله مع عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس حاكم مصربكتابه مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فقال المقوقس خيراً، ولم يسلم، وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية.
بعثه النبي صلى الله عليه وسلم برسالة إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق، قال شجاع رضي الله عنه: فانتهيت إليه، وهو بغوطة دمشق، فقرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رمى به.
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامري رضي الله عنه بكتاب إلى هوذة بن علي الحنفي عند مقدمه من الحديبية, فأكرمه.
كما أرسل صلى الله عليه وسلم أبا العلاء الحضرمي رضي الله عنه بكتابه إلى المنذر بن ساوي العبدي أمير البحرين بعد انصرافه من الحديبية، فاستجاب لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وأسلم معه جميع العرب بالبحرين.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه بكتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي الأزديين بعمان فأسلما.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة، كما بعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك في الشام.
أرسلهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن داعيين إلى الإسلام، فأسلم عامة أهل اليمن وملوكهم طوعاً من غير قتال.
قال الطبري في تاريخه: “وقد اختلف تلقي الملوك لهذه الرسائل، فأما هرقل والنجاشي والمقوقس، فتأدبوا وتلطفوا في جوابهم، وأكرم النجاشي والمقوقس رُسُلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل المقوقس هدايا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وأما كسرى لما قرئ عليه الكتاب مزقه”. قال ابن المسيب: (فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق) رواه البخاري.
انطلق سفراء النبي صلى الله عليه وسلم يحملون بشائر الهدى وأنوار الهداية، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختم النبي صلى الله عليه وسلم، تحمل في طياتها دعوته صلى الله عليه وسلم وحرصه على إسلام هؤلاء الملوك، وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لسفرائه قائماً على مواصفات يتحلون بها، من علم وفصاحة، وصبر وشجاعة، وحكمة وحسن تصرف وحسن مظهر.
يقول ابن حجر في كتابه “الإصابة” عن دحية الكلبي رضي الله عنه سفير النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم: “كان يُضرب به المثل في حسن الصورة”، وكان مع حسن مظهره فارساً ماهراً، وعليماً بالروم. وعبد الله بن حذافة رضي الله عنه الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، كان له دراية بالفرس ولغتهم، وكان مضرب الأمثال في الشجاعة ورباطة الجأش. أما حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر، فقد قال في وصفه ابن حجر:”كان أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية”، وكان له علم بالنصرانية، ومقدرة على المحاورة.
لقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوباً جديداً من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل، وهو مراسلة الملوك والأمراء ورؤساء القبائل لإبلاغهم دعوة الإسلام ودين الله، وفي ذلك حكمة نبوية ظاهرة، كما فيه كذلك فضيلة للصحابة رضوان الله عليهم، الذين حملوا تلك الكتب والرسائل قاطعين الصحراء والجبال؛ ليشاركوا في تبليغ دعوة الإسلام إلى الدنيا كلها، غير مبالين من أن يُقتلوا، وكان لهذا الأسلوب الجديد الأثر البارز في دخول بعض الملوك والأمراء في الإسلام، كما كشفت هذه الرسائل مواقف البغض من بعض هؤلاء الملوك والأمراء تجاه الإسلام، ومن ثم استطاعت الدولة الإسلامية من خلال ردود الفعل المختلفة تجاه الرسائل النبوية للملوك والأمراء أن تنتهج نهجاً سياسيًّا وعسكريًّا متناسباً معهم.
التسميات: إسلاميات, سفراء النبي